رد: ذهـول الحقـائق
حين يتمعن الإنسان في هذه الحقيقة الكبرى، حقيقة الموت؛ تسري به سلسلة التساؤلات إلى هذه المفارقة التي نعيشها يومياً،
أعني التناقض بين العقيدة والسلوك، إذا كنا نؤمن فعلاً بأن لحظة توديع الدنيا قريبة منا، قريبة منا جداً، إنها لحظة بالأبواب،
إنها على طرف الثمام، وقد أخذت أعداداً ممن ساكنونا وآكلونا وناقشونا وزاملونا ودرّسونا؛
فكيف ياترى نغفل ونحن نرى أخبار الموتى لا تتوقف؟ وقد أشار القرآن إلى هذه المفارقة بين قرب الأجل في مقابل استمرار الغفلة،
فقال تعالى:
(اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) [الأنبياء، 1]
وأخذت مرةً أتأمل أسباب هذه الإشكالية في كتاب الله، وأحاول البحث عن موقف القرآن من هذه العلاقة، فوجدت ثلاث مشاهد صور القرآن تفاصيلها تكشف سراً من أسرار المشكلة، ألا وهو مشكلة التأجيل..
فهذه الخطايا التي لازلنا نواقعها لا تجدنا غالباً مخططين للاستمرار عليها،
وإنما نقول في أنفسنا إنها مجرد فترة يسيرة وسنصحح أوضاعنا جذرياً،
لكن الزمان يتفارط، وينسل الوقت من بين أيدينا ونحن لا نشعر؛ حتى نتفاجأ بملك الموت واقف ليأخذ أرواحنا في الساعة المقدرة.. أرأيت؟ إنه الذهول عن الحقائق الكبرى تحت غمامة التأجيل..
أخبرنا كتاب الله عن فئام من الناس حين يحضرهم الموت يسألون الله أن يرجعهم، ويعاهدونه أن يعملوا الأعمال الصالحة التي أجلوها،
ولكن هيهات، لقد فات الأوان، يقول تعالى:
(حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ** لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [المؤمنون، 100]
أمامنا اليوم فرصة للعمل الصالح قبل أن تأتي هذه الساعة القريبة المفاجئة التي لن تنفع فيها التوسلات بالعودة لزمان العمل..
وأخبرنا كتاب الله عن فئات من الناس حين يحضرهم الموت
يسألون الله فسحة زمنية يسيرة ليتصدقوا، ولكن بعد ماذا؟ بعد أن فات الأوان؟!
يقول تعالى:
(وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ** وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المنافقون، 11]
وهانحن الآن في زمن إمكانية التصدق، فهل سنتردد في قرار النفقة حتى تأتي تلك الساعة التي نبدي فيها الاستعداد للتصدق، ولكن بعد فوات الأوان؟
يتبع>>>
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|