[صالح بن فارس]

بسم الله الرحمن الرحيم

ترددت كثيراً في طرح رأيي الذي أعلم تماماً مآله حيث سيحوره ويفسره البعض على هواه كما حدث في السابق في أمور مشابهة ، فما يحدث لدينا ببساطة هو اقصاء الآخر والنيل منه وربما الخوض في عرضه أو وصمه بكلمات قد لا يعي القاذف معناها كـ ليبرالي أو علماني ولدرجة بعضهم جعلني خارجاً من الملة وربما أدخلني النار وأمر زبانيتها بإحراقي ، فهو كمن أراد أن "يكحلها وعماها" فنهى عن خطأ ووقع في خطأ أفضع قد لا يغفره الله "من ذا الذي يتآلى على الله" !

هكذا نحن لا نقبل الرأي الآخر لأنه ببساطة مخالفاً أو جديداً أو خلاف ما زرع في حقول عقولنا بالعنوة دون اعمار منا لعقولنا بالقرائة أو التفكر (قل سيروا في الأرض فانظروا)

عندما شرّع الله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان الأمر للجميع بدون استثناء ، لكنه يسقط عن الكل إذا قام به البعض ، وعندما هلك اليهود كانت الفئة التي لم تسبت من ضمنهم وما ذاك إلا لأنهم تقاعسوا عن هذه الشعيرة العظيمة ، العجيب أنا تقاعسنا مثلهم وما ذاك إلا لأنا أوكلناه لجهاز لا يقوم بمهامه إلا على الضعفاء والمساكين ولا يقوم به إلا في قضايا محددة لا يتجاوزها ولذلك تفشى فينا الفساد وغلاء الأسعار والفقر ، برغم أن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه عندما أسسه لأهداف حاد عنها الآن تماماً فلا غش تجاري يراقبه ولا زيادة أسعار يضبطها واكتفى فقط بمنع مضايقات النساء !!

ما هكذا تورد الإبل ، ما هكذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أهو لقوم دون قوم "والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" هذا هو كلام سيد المرسلين صلوات ربي وسلامه عليه ، ما يحدث هو "إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد" فيطاردون الناس في خلواتهم في المطاعم والاستراحات والمخططات مقدمين سوء الظن على حسنه منتهكين عورات الناس وسترهم تجسساً وسوء ظن (ولا تجسسوا) (إن بعض الظن إثم) فيما يغضون الطرف عن ماهو أفضع منها في قصور المسؤولين والربا في البنوك وشركات التأمين والغش وزيادة الأسعار وخلافه .

هل انتهت المنكرات فلم يبق إلا شاب يطيل شعره ؟! أو امرأة تكشف وجهها ؟! لقد سُرق جهاز الحسبة وتحول من مساره الصحيح ليصبح جهاز قمع يطارد الناس فيشرد أسرة وييتم أخرى لأجل أغنية أو اشتباه ما وكأن أرواح الناس لعبة ليس لها قيمة !!!

حتى جاء الأمر السامي ولله الحمد بتنظيم عمل الهيئة بعد عناء طويل مع أخطائهم القاتلة المتكررة ، لنجد المناحة والبكاء فقط لأنه تم ايقاف شلالات الدم وهتك ستر الناس والأعراض الذي كانوا يقومون به بعد أن تضررت أسر دست سمعتهم في التراب وتشرد أيتام وماتت أرواح في ريعان الشباب ، فسبحان من غير نظرة الناس لتصبح نظرة قاصرة خلف أمور نهى عنها الدين ، فعندما جائت الغامدية للرسول صلى الله عليه وسلم تطلب التطهير من الذنب الذي أصابته أعرض عنها وعادت وأعرض عنها ومازال يعرض عنها حتى أكملت رضاعة ابنها حولين كان الرسول صلوات ربي عليه رحمة للعالمين جاء بالرحمة آمراً بالستر ولذا كان يعرض عنها وردها أكثر من مرة وكذا كان شرع الله حيث أمر بالستر وحث عليه وصعب مهمة الذين يسعون في الأرض فساداً ويلهثون ويتتبعون عورات الناس فأمر بأربعة شهداء وأن يرونهم رؤية لا تقبل الشك فأي تعقيد لهم وأي سماحة للشرع بل أنه قال صلى الله عليه وسلم " من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقئوا عينه " وهذا عند مسلم من حديث أبو هريرة رضي الله عنه

بل أنه صلى الله عليه وسلم كان يحث على الستر " من ستر مسلما ستر الله عليه" وغيرها الكثير والكثير إلا أن هناك أناس لاهم لهم إلا مطاردة عورات الناس وفضح من ستر الله عليهم بدعوى الإصلاح فأي إصلاحٍ هذا يقوم على الهدم ؟!!

وفي قصة عمر ابن الخطاب رضي الله عنه مشهداً يصور لنا حال الهيئة اليوم وكأن الله يهب لنا درساً استثنائياً حتى نفهم معه معنى الدين الحق الذي ينهى عن هتك ستر الناس وفضح من ستر الله عليهم ، فعندما كان عمر يتفقد المدينة ليلاً إذ سمع شباناً في أحد المزارع يتنادومون فتسوّر عليهم ودخل فلما أن هم بهم ليقيم عليهم الحد قالوا له يا أمير المؤمنين نحن أتينا بواحدة لكنك أتيت بأربع قال وكيف ذاك قالوا :

تجسست علينا والله قال (ولا تجسسوا) و تسوّرت والله قال(وأتوا البيوت من أبوابها) ودخلت ولم تستأذن (حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها) ولم تسلم علينا ، فحاجوه فتركهم وانصرف .

أعتذر للاطالة لكن الحديث ذو شجون وهذه كلمة حق كان لابد من طرحها في زمن انقلبت فيه المفاهيم حتى أصبح الحق غريباً والعرف هو الحق وان كان خاطئاً ..

ولكم الود ؛؛