عرض مشاركة واحدة
قديم 07-08-2009, 02:46 AM   #23
صـدى زهـران
 







 
صـدى زهـران is on a distinguished road
افتراضي رد: كل يوم ايه مع تقسيرها (سورة البقره )

[ تفسير القرطبي ]


][ الآيـــــــــــــــــة ][


(( الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الارْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ )) 22



][ التفســـــــــــير ][


الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الارْضَ فِرَاشًا

قَوْله تَعَالَى : " الَّذِي جَعَلَ " مَعْنَاهُ هُنَا صَيَّرَ لِتَعَدِّيهِ إِلَى مَفْعُولَيْنِ : وَيَأْتِي بِمَعْنَى خَلَقَ , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " مَا جَعَلَ اللَّه مِنْ بِحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَة " [ الْمَائِدَة : 103 ] وَقَوْله : " وَجَعَلَ الظُّلُمَات وَالنُّور " [ الْأَنْعَام : 1 ] وَيَأْتِي بِمَعْنَى سَمَّى , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " حم . وَالْكِتَاب الْمُبِين . إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا " [ الزُّخْرُف : 1 - 3 ] . وَقَوْله : " وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَاده جُزْءًا " [ الزُّخْرُف : 15 ] . " وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَة الَّذِينَ هُمْ عِبَاد الرَّحْمَن إِنَاثًا " [ الزُّخْرُف : 19 ] أَيْ سَمَّوْهُمْ . وَيَأْتِي بِمَعْنَى أَخَذَ , كَمَا قَالَ الشَّاعِر : وَقَدْ جَعَلْت نَفْسِي تَطِيب لِضَغْمَةٍ لِضَغْمِهِمَا هَا يَقْرَع الْعَظْم نَابهَا وَقَدْ تَأْتِي زَائِدَة , كَمَا قَالَ الْآخَر : وَقَدْ جَعَلْت أَرَى الِاثْنَيْنِ أَرْبَعَة وَالْوَاحِد اِثْنَيْنِ لَمَّا هَدَّنِي الْكِبَر وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى " وَجَعَلَ الظُّلُمَات وَالنُّور " : إِنَّهَا زَائِدَة . وَجَعَلَ وَاجْتَعَلَ بِمَعْنًى وَاحِد , قَالَ الشَّاعِر : نَاطَ أَمْر الضِّعَاف وَاجْتَعَلَ اللَّيْ ل كَحَبْلِ الْعَادِيَّة الْمَمْدُود " فِرَاشًا " أَيْ وِطَاء يَفْتَرِشُونَهَا وَيَسْتَقِرُّونَ عَلَيْهَا . وَمَا لَيْسَ بِفِرَاشٍ كَالْجِبَالِ وَالْأَوْعَار وَالْبِحَار فَهِيَ مِنْ مَصَالِح مَا يُفْتَرَش مِنْهَا ; لِأَنَّ الْجِبَال كَالْأَوْتَادِ كَمَا قَالَ : " أَلَمْ نَجْعَل الْأَرْض مِهَادًا . وَالْجِبَال أَوْتَادًا " [ النَّبَأ : 6 - 7 ] . وَالْبِحَار تُرْكَب إِلَى سَائِر مَنَافِعهَا كَمَا قَالَ : " وَالْفُلْك الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْر بِمَا يَنْفَع النَّاس " [ الْبَقَرَة : 164 ] قَالَ أَصْحَاب الشَّافِعِيّ : لَوْ حَلَفَ رَجُل أَلَّا يَبِيت عَلَى فِرَاش أَوْ لَا يَسْتَسْرِج بِسِرَاجٍ فَبَاتَ عَلَى الْأَرْض وَجَلَسَ فِي الشَّمْس لَمْ يَحْنَث , لِأَنَّ اللَّفْظ لَا يَرْجِع إِلَيْهِمَا عُرْفًا . وَأَمَّا الْمَالِكِيَّة فَبَنَوْهُ عَلَى أَصْلهمْ فِي الْأَيْمَان أَنَّهَا مَحْمُولَة عَلَى النِّيَّة أَوْ السَّبَب أَوْ الْبِسَاط الَّذِي جَرَتْ عَلَيْهِ الْيَمِين , فَإِنْ عُدِمَ ذَلِكَ فَالْعُرْف .

وَالسَّمَاءَ بِنَاءً

السَّمَاء لِلْأَرْضِ كَالسَّقْفِ لِلْبَيْتِ , وَلِهَذَا قَالَ وَقَوْله الْحَقّ " وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَحْفُوظًا " [ الْأَنْبِيَاء : 32 ] وَكُلّ مَا عَلَا فَأَظَلَّ قِيلَ لَهُ سَمَاء , وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْل فِيهِ وَالْوَقْف عَلَى " بِنَاء " أَحْسَن مِنْهُ عَلَى " تَتَّقُونَ " ; لِأَنَّ قَوْله : " الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْض فِرَاشًا " نَعْت لِلرَّبِّ . وَيُقَال : بَنَى فُلَان بَيْتًا , وَبَنَى عَلَى أَهْله - بِنَاء فِيهِمَا - أَيْ زَفَّهَا . وَالْعَامَّة تَقُول : بَنَى بِأَهْلِهِ , وَهُوَ خَطَأ , وَكَأَنَّ الْأَصْل فِيهِ أَنَّ الدَّاخِل بِأَهْلِهِ كَانَ يَضْرِب عَلَيْهَا قُبَّة لَيْلَة دُخُوله بِهَا , فَقِيلَ لِكُلِّ دَاخِل بِأَهْلِهِ : بَان . وَبَنَّى ( مَقْصُورًا ) شُدِّدَ لِلْكَثْرَةِ , وَابْتَنَى دَارًا وَبَنَى بِمَعْنًى , وَمِنْهُ بُنْيَان الْحَائِط , وَأَصْله وَضْع لَبِنَة عَلَى أُخْرَى حَتَّى تَثْبُت .

وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً

وَأَصْل الْمَاء مَوَه , قُلِبَتْ الْوَاو أَلِفًا لِتَحَرُّكِهَا وَتَحَرُّك مَا قَبْلهَا فَقُلْت مَاه , فَالْتَقَى حَرْفَانِ خَفِيَّانِ فَأُبْدِلَتْ مِنْ الْهَاء هَمْزَة ; لِأَنَّهَا أَجْلَد , وَهِيَ بِالْأَلِفِ أَشْبَه , فَقُلْت : مَاء , الْأَلِف الْأُولَى عَيْن الْفِعْل , وَبَعْدهَا الْهَمْزَة الَّتِي هِيَ بَدَل مِنْ الْهَاء , وَبَعْد الْهَمْزَة بَدَل مِنْ التَّنْوِين . قَالَ أَبُو الْحَسَن : لَا يَجُوز أَنْ يُكْتَب إِلَّا بِأَلِفَيْنِ عِنْد الْبَصْرِيِّينَ , وَإِنْ شِئْت بِثَلَاثٍ , فَإِذَا جَمَعُوا أَوْ صَغَّرُوا رَدُّوا إِلَى الْأَصْل فَقَالُوا : مُوَيْه وَأَمْوَاه وَمِيَاه , مِثْل جِمَال وَأَجْمَال .

فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ

الثَّمَرَات جَمْع ثَمَرَة . وَيُقَال : ثَمَر مِثْل شَجَر . وَيُقَال ثُمُر مِثْل خُشُب . وَيُقَال : ثُمْر مِثْل بُدْن . وَثِمَار مِثْل إِكَام جَمْع ثَمَر . وَسَيَأْتِي لِهَذَا مَزِيد بَيَان فِي " الْأَنْعَام " إِنْ شَاءَ اللَّه . وَثِمَار السِّيَاط : عُقَد أَطْرَافهَا . وَالْمَعْنَى فِي الْآيَة أَخْرَجْنَا لَكُمْ أَلْوَانًا مِنْ الثَّمَرَات , وَأَنْوَاعًا مِنْ النَّبَات . " رِزْقًا " طَعَامًا لَكُمْ , وَعَلَفًا لِدَوَابِّكُمْ , وَقَدْ بَيَّنَ هَذَا قَوْله تَعَالَى : " إِنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا . ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْض شَقًّا . فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا . وَحَدَائِق غُلْبًا . وَفَاكِهَة وَأَبًّا . مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ " [ عَبَسَ : 25 - 32 ] وَقَدْ مَضَى الْكَلَام فِي الرِّزْق مُسْتَوْفًى وَالْحَمْد لِلَّهِ . فَإِنْ قِيلَ : كَيْف أُطْلِقَ اِسْم الرِّزْق عَلَى مَا يَخْرُج مِنْ الثَّمَرَات قَبْل التَّمَلُّك ؟ قِيلَ لَهُ : لِأَنَّهَا مُعَدَّة لِأَنْ تُمْلَك وَيَصِحّ بِهَا الِانْتِفَاع , فَهِيَ رِزْق . قُلْت : وَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَة عَلَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَغْنَى الْإِنْسَان عَنْ كُلّ مَخْلُوق , وَلِهَذَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام مُشِيرًا إِلَى هَذَا الْمَعْنَى : ( وَاَللَّه لَأَنْ يَأْخُذ أَحَدكُمْ حَبْله فَيَحْتَطِب عَلَى ظَهْره خَيْر لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَل أَحَدًا أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ ) . أَخْرَجَهُ مُسْلِم . وَيَدْخُل فِي مَعْنَى الِاحْتِطَاب جَمِيع الْأَشْغَال مِنْ الصَّنَائِع وَغَيْرهَا , فَمَنْ أَحْوَجَ نَفْسه إِلَى بَشَر مِثْله بِسَبَبِ الْحِرْص وَالْأَمَل وَالرَّغْبَة فِي زُخْرُف الدُّنْيَا فَقَدْ أَخَذَ بِطَرَفِ مَنْ جَعَلَ لِلَّهِ نِدًّا . وَقَالَ عُلَمَاء الصُّوفِيَّة : أَعْلَمَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ الْآيَة سَبِيل الْفَقْر , وَهُوَ أَنْ تُجْعَل الْأَرْض وِطَاء وَالسَّمَاء غِطَاء , وَالْمَاء طِيبًا وَالْكَلَأ طَعَامًا , وَلَا تَعْبُد أَحَدًا فِي الدُّنْيَا مِنْ الْخَلْق بِسَبَبِ الدُّنْيَا , فَإِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَتَاحَ لَك مَا لَا بُدّ لَك مِنْهُ , مِنْ غَيْر مِنَّة فِيهِ لِأَحَدٍ عَلَيْك . وَقَالَ نَوْف الْبَكَالِيّ : رَأَيْت عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب خَرَجَ فَنَظَرَ إِلَى النُّجُوم فَقَالَ : يَا نَوْف , أَرَاقِد أَنْتَ أَمْ رَامِق ؟ قُلْت : بَلْ رَامِق يَا أَمِير الْمُؤْمِنِينَ , قَالَ : طُوبَى لِلزَّاهِدِينَ فِي الدُّنْيَا وَالرَّاغِبِينَ فِي الْآخِرَة , أُولَئِكَ قَوْم اِتَّخَذُوا الْأَرْض بِسَاطًا , وَتُرَابهَا فِرَاشًا , وَمَاءَهَا طِيبًا , وَالْقُرْآن وَالدُّعَاء دِثَارًا وَشِعَارًا , فَرَفَضُوا الدُّنْيَا عَلَى مِنْهَاج الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام . .. وَذَكَرَ بَاقِي الْخَبَر , وَسَيَأْتِي تَمَامه فِي هَذِهِ السُّورَة عِنْد قَوْله تَعَالَى : " أُجِيب دَعْوَة الدَّاعِ " [ الْبَقَرَة : 186 ] إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى .

فَلا تَجْعَلُوا

نَهْي .

لِلَّهِ أَنْدَادًا

أَيْ أَكْفَاء وَأَمْثَالًا وَنُظَرَاء , وَاحِدهَا نِدّ , وَكَذَلِكَ قَرَأَ مُحَمَّد بْن السَّمَيْقَع " نِدًّا " , قَالَ الشَّاعِر : نَحْمَد اللَّه وَلَا نِدّ لَهُ عِنْده الْخَيْر وَمَا شَاءَ فَعَلْ وَقَالَ حَسَّان : أَتَهْجُوهُ وَلَسْت لَهُ بِنِدٍّ فَشَرّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِدَاء وَيُقَال : نِدّ وَنَدِيد وَنَدِيدَة عَلَى الْمُبَالَغَة , قَالَ لَبِيد : لِكَيْلَا يَكُون السَّنْدَرِيّ نَدِيدَتِي وَأَجْعَل أَقْوَامًا عُمُومًا عَمَاعِمَا وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة " أَنْدَادًا " أَضْدَادًا . النَّحَّاس : " أَنْدَادًا " مَفْعُول أَوَّل , وَ " لِلَّهِ " فِي مَوْضِع الثَّانِي . الْجَوْهَرِيّ : وَالنَّدّ ( بِفَتْحِ النُّون ) : التَّلّ الْمُرْتَفِع فِي السَّمَاء . وَالنَّدّ مِنْ الطِّيب لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ . وَنَدَّ الْبَعِير يَنِدّ نَدًّا وَنِدَادًا وَنُدُودًا : نَفَرَ وَذَهَبَ عَلَى وَجْهه , وَمِنْهُ قَرَأَ بَعْضهمْ " يَوْم التَّنَادّ " . وَنَدَّدَ بِهِ أَيْ شَهَّرَهُ وَسَمَّعَ بِهِ .

وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ

اِبْتِدَاء وَخَبَر , وَالْجُمْلَة فِي مَوْضِع الْحَال , وَالْخِطَاب لِلْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ , عَنْ اِبْن عَبَّاس . فَإِنْ قِيلَ : كَيْف وَصَفَهُمْ بِالْعِلْمِ وَقَدْ نَعَتَهُمْ بِخِلَافِ ذَلِكَ مِنْ الْخَتْم وَالطَّبْع وَالصَّمَم وَالْعَمَى . فَالْجَوَاب مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدهمَا - " وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ " يُرِيد الْعِلْم الْخَاصّ بِأَنَّ اللَّه تَعَالَى خَلَقَ الْخَلْق وَأَنْزَلَ الْمَاء وَأَنْبَتَ الرِّزْق , فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْمُنْعِم عَلَيْهِمْ دُون الْأَنْدَاد . الثَّانِي - أَنْ يَكُون الْمَعْنَى وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وَحْدَانِيّته بِالْقُوَّةِ وَالْإِمْكَان لَوْ تَدَبَّرْتُمْ وَنَظَرْتُمْ , وَاَللَّه أَعْلَم . وَفِي هَذَا دَلِيل عَلَى الْأَمْر بِاسْتِعْمَالِ حُجَج الْعُقُول وَإِبْطَال التَّقْلِيد . وَقَالَ اِبْن فَوْرك : يُحْتَمَل أَنْ تَتَنَاوَل الْآيَة الْمُؤْمِنِينَ , فَالْمَعْنَى لَا تَرْتَدُّوا أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ وَتَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا بَعْد عِلْمكُمْ الَّذِي هُوَ نَفْي الْجَهْل بِأَنَّ اللَّه وَاحِد .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
.
.
.
جاري البحث
.
.
.
أخر مواضيعي
صـدى زهـران غير متواجد حالياً