الجـــزء الثـاني
و في اليوم التاسع و العشرون راودتني فكرة يندى لها الجبين خجلا ً ،
وهي ! لمــاذا لأ أقوم بوزن ما كان يلتهمه جاري العزيز من الورق
شهريا ً ، ذهبت مسرعا ً إلى صندوق السيارة لإحضارذلك المـسخ الصحفي و أمسكته بيدي اليسرى
و أدخلته في كيس ٍ أسـود كسواد تلك الصور و الكتابات المسمومة 0
جمعتها مع الجرائد وو ضعتها في كيس و احد ،وقمت بوزنها على النحو التالي "
وزنت نفسي فوجدت المؤشر يقف عند( .....) كجم ،فقلت الحمد لله هذا وزني بما منحني ربي من صحة و عقل و أعصاب و أحساس ولحم وعظام " اللهم لك الحمد "
فنزلت من الميزان ثم عدت الكره بالصعود مرة أخرى ،بعد حمل ذلك الكيس على ظهري (.. ولكنا حُملنا أوزارا ًمن زينة القوم .. ) الآية 0ولا حول ولاقوه إلا بالله
فاذا بوزني يزيد بمقدار خمسة كيلو جرام ، فانزعجت على صحـة جاري ... و بدأت أحسب بحاسبة الجوال الكميات المتوقع قراءتها في عام واحد 5 × 12 = 60 كجم في السنة
60 ×3 = 180 كجم في 3 سنوات
ولكم اكمال العمليات الحسابية على اعداد الصناديق او الكميات المطبوعة او عـدد القُراء ، بمعدل كل 9 جرائد تساوي كجم و احد تقريبا ً0
ومـرت يومين من عمـري بسلام مع تلك الأخشاب قصدي الجرائد و المجلات من جهة و الزول من جهة أخرى ،
وفي اليوم الثالث رأيت سيارة جاري أمام بيته وكانت الساعة تقترب من الثانية عشره ليلاً0
فما كان مني الإ الهجوم على جرس بابه هجوم الشجاع الوفي مع كم رفسة للبـاب ، عندها سمعت خطوات هرولة و صوت جاري يطلب التمهل حتى تصل يده الى قبضة الباب ،
فــتـح البـاب قائلا ً هــو أنت ؟! قلت نعم
ومن يكون غير جارك الطيب الصداق ،
رفعت قبضة يـدي نحـو عيناه التي لا زالت تعاني من عناء السفر
وهي ممسكة بذلك المفتاح اللئيم وقلت خـذ مفتاحك يا جـار . . . ! والجرائد وباقي المطبوعات موجودة في شنطة السيارة 0
قال : شكراً تعبناك معنا اما الجرائد فخذها هديه من أخوك ،
ثم اردف : طبعا آخر الليل وما حنا قائلين لك تفضل ،
قلت : صحيح آخر الليل 0 ( قبل شهر لم يكن آخر الليل يا ذوق يا مؤدب !!
رجعت إلى سيارتي وأنا أفكر فيما أهُـدي لي ، استقبلتها بــ لا حول و لا قوة إلا بالله و ألحقتها بــ إنا لله و إنا إليه راجــعــون ، هذي هدايا آخر الليل
ماذا افعل و ماهي الطريقة المثلى لتخلص من هذي الجــثث الورقية
في هذا الليل الدامس و الناس في غرفاتهم خامدون ،
وكأن أمامي ثلاثة خيارات لتخلص من هذي الهدية المشئومة "
الطريقة الاولى هي الرجوع بها الى البيت ثم الصعود بها الى السطح و دســها في إحـدى زواياه
حتى وقت غير معلوم ،
ولكن المشكلة وذهاب ماء الوجه إذا اكتُشف أمـرها من قبل من كنت قدوة حسنة لهم أو من كان يُحسن الظن بسلوكي الديني و القبلي من الجيران ، ماذا أقول لهم ؟
الطريقة الثانية أضعها على الرصيف أو في حاوية من حاويات البلدية المنتشرة عبر الأزقة و الشوارع
( حاويات الأوراق التي عند المساجد مكتوب عليها للأوراق والمجلات الدينية فقط لذا تم استبعادها )
إذا ً ارمي بها في قعر تلك الحاوية وأمضي الى بيتي وكأنني لم احرص ذات يوم على أستقبالها في الصباح الباكر
أو إجلاسها بجانبي على سـفرة الإفطار ، و لكنني تذكرت أن بها آيات قرانية وأسماء تحمل لفظ الجلالة و أماكن غالية على القلوب
فقلت هذي الطريقة فاشلة و لا يجوز حتى التفكير بها 0
ولم يبقى لي إلا الطريقة الثالثة وهي آخـر مابقي في جعبتي أمّ راسي لقد أشكل على الأمــر و شتت السهر ما كان مجتمعا ًمن فكري 0
أنها الطريقة الجاهلية والوسيلة الحمقاء والظلم المظلم
وهو ماكان يفعله أهل الجاهلية لتخلص من العار (بزعمهم ) 0
مع فارق العقيدة بيني وبينهم إلا أننا اتفقنا في الأسلوب و الهـدف ،
نعم الوأد .... سأدفنك أيتها الجرائد تحت الرمال
و أتخلص من هذا العار الذي رزئت به من يــد جاري ،
فأستحسنت الرأي وعدت الى بيتي وأنا في نشوة الفرح
فغاب العقل – ابحث عن مسحاة لحفـر قبـور لتلك الجثامين البائدة
، فوجدت المسحاة بعد عناء وبحث مضني وخرجت من البيت مسرعا ً حاملا ً إياها على كتفي بعد ما شددت
العمامة على راسي كما كان يفعل أجدادنا حين كانوا يباشرون الحرث او حفر القبور ،
و ركبت سيارتي متجها ً الى خارج المدينة و عيوني تقدح سهرا ً وشـرا ً وغضبا ً على الصحافة و الجار و حسن الجوار 0
وقبل الخروج نهائيا ، عن شوارع المدينة و إشاراتها
لمحــت إحدى الدوريات الأمنية تقف بجانبي عند إلاشارة الضوئية ،
فارتعدت فرائصي مع شيء من الخفقان وارتعاش في الأطراف لم
أعهده من قبل في نفسي ،
وذلك لما حملته من نية ســـوداء لتلك الجــرائد و حيــازتي للمســـــــحاة و الــسير في آخر الليل ،
والعزم على حـفر القبور في جنح الظلام 0
فأوقفت سيارتي على الفور بجانب الطريق ونظرت الى الساعة فإذا بها تجاوزت الثانية صباحا ً ....
عادت بعض الخلايا
العصبية و الفكرية للعمل من جـديد
انطفأ ذلك التوهج والغضب من العيون ، تعوذت من الشيطان... .
انزلت الزجاج .... رفعت يدي بالدعـــاء لجاري العزيز
و للمؤسسات الصحفية 0
وقلت لنفسي وربما أحدهم سمعني لماذا لا تضع تلك المؤسسات
بجوار صندوق تسليم الجرائد
صندوق استـلام الجنائز
وهم بدورهم ينهون هذي المعاناة للقُراء و لجيران القُراء
فهم أولى باحترام ما يكتبونه واحترام الوجه الثقافي
والحضاري لهذا الوطـن @